الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
قال: وينبغي أن تكون ألوية المسلمين بيضاً والرايات سوداً على هذا جاءت الأخبار وقد روي عن راشد بن سعد رضي الله عنه قال: كانت راية رسول الله سوداء ولواؤه أبيض وقال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء من برد لعائشة يدعى العقاب وهو اسم رايته كما سمى عمامته السحاب وفرسه السكب وبغلته الدلدل ثم اللواء اسم لما يكون للسلطان والراية اسم لما يكون لكل قائد تجتمع جماعة تحت رايته. واختلفت الروايات في أن النبي صلى الله عليه وسلم متى اتخذ الرايات فذكر الزهري قال: ما كانت راية قط حتى كانت يوم خيبر إنما كانت الألوية وذكر غيره أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر كانت سوداء ففي هذا بيان أن الراية كانت قبل خيبر وإنما استحب في الرايات السود لأنه علم لأصحاب القتال وكل قوم يقاتلون عند رايتهم وإذا تفرقوا في حال القتال يتمكنون من الرجوع إلى رايتهم والسواد في ضوء النهار أبين وأشهر من غيره خصوصاً في الغبار فلهذا استحب ذلك فأما من حيث الشرع فلا بأس بأن تجعل الرايات بيضاً أو صفراً أو حمراً وإنما يختار الأبيض في اللواء لقوله عليه السلام: " إن أحب الثياب عند الله تعالى البيض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم " واللواء لا يكون إلا واحد في كل جيش ورجوعهم إليه عند حاجتهم إلى رفع أمورهم إلى السلطان فيختار الأبيض لذلك ليكون مميزاً من الرايات السود التي هي للقواد. وذكر عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: والله لقد رأيتني وإني لأعدو في إثر علي رضي الله عنه فما أدركته حتى انتهى إلى الحصن يوم خيبر فخرجت غادية اليهود يعني الذين يغدون من العمال ومنهم من يروي: عادية اليهود والمراد به الأكابر من المبارزين قال: ففتحوا بابهم الذي يلي المسلمين وكانت لهم حصون من ورائها جدر ثلاثة يخافون البيات بالنطاة عملها أكابر اليهود ولا تطيقها الخيل فخرجوا من حصنهم ذلك وتلك الجدر حتى أصحروا للمسلمين أي خرجوا إلى الصحراء فخرج مرحب وهو يرتجز ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب أضرب أحياناً وحينا أضرب أكفي إذا أشهد من يغيب ومرحب الشاعر هذا قتله علي رضي الله عنه والقصة معروفة في المغازي ومقصودة ما ذكر في آخر الحديث. أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق الرايات وإنما كانت الألوية قبل ذلك فجعل الرايات يومئذ. قال محمد رحمه الله: وينبغي أن يتخذ كل قوم شعاراً إذا خرجوا في مغازيهم حتى إن ضل رجل عن أصحابه نادى بشعارهم وكذلك ينبغي أن يكون لأهل كل راية شعار معروف حتى إن ضل رجل عن أهل رايته نادى بشعاره فيتمكن من الرجوع إليهم وليس ذلك بواجب في الدين حتى لو لم يفعلوا لم يأثموا ولكنه أفضل وأقوى على الحرب وأقرب إلى موافقة ما جاءت به الآثار على ما روي عن سنان بن وبرة الجهني قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع وهي غزاة بني المصطلق وكان شعارنا: يا منصور أمت معناه: قد ظفرت بالعدو فاقتل من شئت منهم وهذا كان شعار النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وكان شعاره يوم أحد: أمت أمت. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن والخزرج: يا بني عبد الله والأوس: يا بني عبيد الله وقال لهم رسول الله ليلة في حرب الأحزاب: " إن بيتم الليلة فشعاركم: حم لا ينصرون وهو قسم للتأكيد أن الأعداء لا ينصرون " وكان شعارهم يوم حنين: يا أصحاب سورة البقرة! إلي أنا عبد الله ورسوله سائر اليوم وجعل يتقدم في نحر العدو فرجع إليه المسلمون حين سمعوا صوته وفي رواية: كان شعارهم يومئذ: حم لا ينصرون فلما ثاب المسلمون أي رجعوا إليه تولى المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنهزموا وياسين " وهذا قسم أكد به رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره فالحاصل أن الشعار هو العلامة فالخيار في ذلك إلى إمام المسلمين إلا أنه ينبغي له أن يختار كلمة دالة على ظفرهم على العدو بطريق التفاؤل فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن.
ذكر عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لقي العدو قبل أن يواقعهم قال: " اللهم إنا عبادك وهم عبادك نواصينا ونواصيهم بيدك اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " وفيه دليل على أنه ينبغي لكل غاز أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء عند القتال وهذا لأن المؤمن بالدعاء يستنزل الرزق والنصر ويدفع أنواع البلاء وشر الأعداء وبذلك أمرنا قال تعالى: قال: وإذا لقي المسلمون المشركين فإن كانوا قوماً لم يبلغهم الإسلام فليس ينبغي لهم أن يقاتلوهم حتى يدعوهم لقوله تعلى: فإن كان قد بلغهم الإسلام ولكن لا يدرون أنا نقبل منهم الجزية فينبغي أن لا نقاتلهم حتى ندعوهم إلى إعطاء الجزية به أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراء الجيوش وهو آخر ما ينتهي به القتال قال الله تعالى: إلا أن يكونوا قوماً لا يقبل منهم الجزية كالمرتدين وعبدة الأوثان من العرب فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف قال الله تعالى: فإن بلغهم الدعوة فإن شاء المسلمون دعوهم دعاء مستقبلاً على سبيل الإعذار والإنذار وإن شاءوا قاتلوهم بغير دعوة لعلهم بما يطلب منهم وربما يكون في تقديم الدعاء ضرر بالمسلمين فلا بأس بأن يقاتلوهم من غير دعوة والذي روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قال: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً حتى يدعوهم عن طلحة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل المشركين حتى يدعوهم فتأويله ما قال محمد رحمه الله في كتابه. إن النبي صلى الله عليه وسلم أول من جاءهم بالإسلام في ذلك الوقت وما كان أكثرهم يعلم أنه إلى ما ذا يدعوهم فلهذا كان تقديم الدعاء وهكذا نقل عن إبراهيم أنه سئل عن دعاء الديلم فقال: قد علموا الدعاء يريد به أن زماننا مخالف لزمان النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم أو كان ذلك عن رسول الله على وجه التألف لهم رجاء أن يتوبوا من غير أن يكون ذلك واجباً ألا ترى إلى ما روي أنه كان يقاتل المشركين فتحضر الصلاة فيصلي بأصحابه ثم يعود إلى وضعه فيدعوهم ومعلوم أن هذا لم يكن إلا على وجه التألف. وعن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً رضي الله عنه مبعثاً فقال له: امض ولا تلتفت أي لا تدع شيئاً مما أمرك به قال: يا رسول الله! كيف أصنع بهم قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيلاً فإن قتلوا منكم قتيلاً فلا تقاتلوهم حتى تريهم إياه ثم تقول لهم: هل لكم إلى أن تقولوا: لا إله إلا الله فإن قالوا: نعم فقل لهم: هل لكم أن تصلوا فإن قالوا: نعم فقل لهم: هل لكم أن تخرجوا من أموالكم الصدقة فإن قالوا: نعم فلا تبغ منهم غير ذلك والله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ومعلوم أن هذا كله مما لا يشكل أنه ذكر على وجه التألف من غير أن يكون واجباً. وعن عبد الرحمن بن عائذ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث بعثاً قال: تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل بيت من مدر ولا وبر إلا أن تأتوني بهم مسلمين أحب إلي من ن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم وعن أبي عثمان النهدي قال: كنا ندعو وندع أي ندعو تارة وندع الدعاء تارة نغير عليهم فدل أن كل ذلك حسن يدعون مرة بعد مرة إذا كان يطمع في إيمانهم فأما إذا كان لا يطمع في ذلك فلا بأس أن يغيروا عليهم بغير دعوة بيانه في الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حين بعث أبا قتادة بن ربعي في أربعة عشر رجلاً إلى غطفان فقال: شنوا الغارة عليهم ولا تقتلوا النسوان والصبيان. ثم ذكر الراوي حسن تدبير أبي قتادة قال: لما هجمنا على حاضر منهم عظيم ليلا معنى قوله: " حاضر منهم " أي حي منهم وهو القبيلة خطبنا وأوصانا فقال: إذا كبرت فكبروا وإذا حملت فاحملوا ن ولا تمعنوا في الطلب أي لا تبعدوا في الذهاب في الغنيمة وألف بين كل رجلين وقال: لا يفارق رجل زميله حتى يقتل أو يرجع إلي فيخبرني خبره ولا يأتيني رجل فأسأله عن صاحبه فيقول: لا علم لي به. قال: فأحطنا بالحاضر فسمعت رجلاً يصرخ: يا خضراء! فتفاءلت وقلت: لأصيبن خيراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل بمثل هذا فإنه لما خرج من الغار مع أبي بكر رضي الله عنه يريد المدينة مر على بريدة الأسلمي فأمر أبا بكر أن يسأله عن اسمه فلما قال: بريدة قال: برد لنا الأمر فلما قال: من أسلم قال سلمنا. فعرفنا أنه لا بأس بالتفاؤل على هذه الصفة وحين عبر جيش المسلمين جيحون سمعوا رجلاً ينادي غلامه: يا ظفر! فقالوا: قد ظفرنا وآخر ينادي غلامه: يا علوان! فقالوا: قد علونا ثم روي نحو هذا عن زيد بن حارثة رضي الله عنه أنه فعله في سرية كان هو أميرهم وقال: حين انتهينا إلى الحاضر في غبش الصبح يعني حين اختلط الظلام بالضوء وقد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون ونعمهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وسبى ذريتهم وكان في ذلك السبي جويرية بنت الحارث وعهد إلى أسامة أن يغير على أبنى صباحاً ثم يحرق والغارة لا تكون بدعوة. وذكر عن الحسن قال: ليس للوم دعوة فقد دعوا في آباد الدهر أي قد بلغتهم الدعوة قبل زماننا أو مراده قد بشر عيسى عليه السلام إياهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يؤمنوا به إذا بعث كما قال الله تعالى: M0ا البركة في الخيل وما يصلح منها ذكر عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة يعني الجهاد وإرهاب العدو كما قال الله تعلى: وعن صالح بن كيسان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الخيل الشقر وهذه الصفة في الخيل تبين بالعرف والذنب فإن كانا أحمرين فهو أشقر وإن كانا أسودين فهو كميت. وعن عبد الله بن أبي نجيح الثقفي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اليمن في الخيل في كل أقرح أدهم أرثم محجل الثلاثة طلق اليمنى فإن لم يكن فكميت بهذه الصفة " فالأقرح: هو الذي يكون في جبهته بياض بقدر الدرهم أو دون ذلك فإن كان البياض فوق ذلك فهو أغر. والأدهم: اسم الأسود منه والأرثم: هو الذي يكون البياض في شفته العليا فوق الجحفلة ومحجل الثلاث طلق اليمنى: هو الذي يكون البياض في قوائمه الثلاث سوى اليمنى وهو ضد الأرجل والأرجل: ما يكون البياض في اليمنى من قوائمه خاصة وهذا يتشاءم به والأول يرغب فيه وهذا كان معروفاً بينهم في الجاهلية فقررهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وبين أن البركة فيما يكون بهذه الصفة من الخيل كما هو عند العوام من الناس. وذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: لا تخصين فرساً ولا تجرين فرساً فوق الميلين فمن الناس من أخذ بظاهر الحديث وكره خصاء الفرس لما روي أن علياً رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يفعل ذلك من لا خلاق له في الآخرة أي لا نصيب لهم في الآخرة وتأولوا فيه قوله تعالى: وتأويل النهي في حديث عمر رضي الله عنه ما ذكر محمد رحمه الله في الكتاب: أن صهيل الخيل يرهب العدو والخصاء يذهب صهيله فكره الخصاء لذلك لا لأنه حرام في الدين والمراد من اللفظ الثاني النهي عن إجراء الفرس فوق ما يحتمله أو على وجه التلهي به فإما إذا كانت المسابقة بالأفراس للرياضة فهو حسن لا بأس به. وذكر عن عامر الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجرى وسبق يروى سبق بالتشديد والتخفيف فمعنى الرواية بالتخفيف أنه سبق صاحبه ومعنى الرواية بالتشديد أنه التزم على السبق صلة ولا بأس بالمسابقة بالأفراس ما لم تبلغ غاية لا تحتملها جاء في الحديث: تسابق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر رضي الله عنهما معنى قوله: صلى أي كان رأس دابته عند صلاء دابة رسول الله عليه السلام وهو الذنب. وفي حديث مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحضر الملائكة شيئاً من الملاهي سوى النضال والرهان يعني الرمي والمسابقة ". وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا سبق إلا في خف أو نضل أو حافر " المراد بالحافر الفرس وبالخف الإبل وبالنضل الرمي. وفي الحديث أن العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبق فشق ذلك على المسلمين فقال عليه السلام: ما رفع الله تعالى في الدنيا شيئاً إلا وضعه لذلك المسابقة على الأقدام لا بأس بها لحديث الزهري قال: كانت المسابقة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيل والركاب والأرجل لأن الغزاة يحتاجون إلى رياضة أنفسهم حتى إذا ابتلوا بالطلب والهرب وهم رجالة لا يشق عليهم العدو لما يحتاجون إلى ذلك في رياضة الدواب. فإن شرطوا جعلا نظر فإن كان الجعل من أحد الجانبين خاصة بأن قال لصاحبه: إن سبقتني أعطيتك كذا وإن سبقتك لم آخذ منك شيئاً فهو جائز على ما شرطا استحساناً لقوله عيه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " وفي القياس لا يجوز لأنه تعليق المال بالخطر وأما إذا كان المال مشروطاً من الجانبين فهو القمار بعينه والقمار حرام إلا أن يكون بينهما محلل وصورة المحلل أن يكون معهما ثالث والشرط أن الثالث إذا سبقهما أخذ منهما وإن سبقاه لم يعطهما شيئاً فهو فيما بينهما أيهما سبق أخذ الجعل من صاحبه فهذا جائز وهو مروي عن سعيد بن المسيب وهذا إذا كان المحلل على دابة يتوهم أن يسبق فإن كان لا يتوهم ذلك فلا فائدة في إدخاله بينهما ولا يخرج به شرطهما من أن يكون قماراً قال رضي الله عنه وكان شيخنا الإمام شمس الأئمة رحمه الله يقول: على قياس هذا بالجري بين طلبة العلم يفتي فيه بالجواز أيضاً وهو إذا وقع الاختلاف بين اثنين في مسألة وأراد الرجوع إلا الأستاذ وشرط أحدهما لصاحبه أنه إن كان الجواب كما قلت أعطيتك كذا وإن كان كما قلت لا آخذ منك شيئاً فهذا جائز وإن كان شرط من الجانبين فهو القمار وهذا لأن في الأفراس إنما جوز ذلك لمعنى يرجع إلى الجهاد فيجوز هنا أيضاً للحث على الجهاد في التعلم. وذكر عن صفوان بن عمرو السكسكي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أصحاب السكسك ينهاهم عن الركض والمراد النخاسون وإنما نهاهم عن ركض يتعب الدابة من غير حاجة إلى ذلك أو ركض يكون بتكلف لأن ذلك يغرر المشتري والغرور حرام والمراد الركض للتلهي من غير غرض وقد أمرنا بالإحسان إلى الخيول لإرهاب العدو بها ولا يجوز إتعابها بالركض تلهياً. قال: ونهاهم أن يتركوا أحداً أن يركب بمبزع في سوطه يبزع به دابته أي بحديدة كما يفعله بعض النخاسين لنخس الدابة عند الركض وذلك يجرح الدابة من غير غرض فيه وربا يسري فلهذا نهاهم عن ذلك كما هو عادة العرب من اتخاذ حديدة في ظاهر الخف عند العقب لنخس الفرس به فإنه منهي عنه كما قلنا وكان عمر بن عبد العزيز ينهى عن ركض الفرس إلا في حق أي عند غرض صحيح في الجهاد أو غيره.
ذكر عن كعب قال: ما استنفر جيش من المسلمين إلا بعث الله ملكاً ينادي في ظهورهم: اللهم اجعل ظهورها شديداً وحوافرها حديداً إلا ذات الجرس وعن خالد بن معدان قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم راحلة عليها جرس فقال: تلك مطي الشيطان وعن أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العير التي فيها جرس لا تصحبها الملائكة " فمن العلماء من أخذ بظاهر هذه الآثار وكرهوا اتخاذ الجرس على الراحلة في الأسفار في الغزو وغير ذلك. وكرهوا أيضاً اتخاذ الجلاجل في رجل الصغير على ما يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها رأت امرأة معها صبي وفي رجله جلاجل فجعلت تقول: نحي عنه ما ينفر الملائكة. وتأويل هذه الآثار عندنا أنه كره اتخاذ الجرس للغزاة في دار الحرب فإنهم إذا قصدوا أن يبيتوا العدو علم بهم العدو بصوت الجرس فيبدرون بهم فإذا كانوا سرية علم بهم العدو فأتوهم فقتلوهم فالجرس في بهذه الحالة يدل المشركين على المسلمين فهو مكروه وأما ما كان في دار الإسلام فيه منفعة لصاحب الراحلة فلا بأس به يعني قد ينتفع المسلمون في أسفارهم بصوت الجرس يدفعون به النوم عن أنفسهم ومن يضل عن الطريق يتمكن من اللحوق بهم بصوت الجرس فلا يضل ومن الدواب ما ينشط في السير بصوت الجرس فإذا أمنوا اللصوص وكان في الجرس منفعة لهم بهذه الصفة فلا بأس باتخاذه وهو نظير الحداء وذلك معروف في العرب وقد أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكن يسير بالليل والحادي يحدي بين يديه فعرفنا أنه لا بأس بمثله وما يكون في أرجل الصبيان على سبيل اللهو من غير منفعة فلا يستحب أيضاً وإن كان فيه منفعة فلا بأس.
قال: ولا يستحب رفع الصوت في الحرب من غير أن يكون ذلك مكروهاً من وجه الدين ولكنه فشل فإن كان فيه تحريض ومنفعة للمسلمين فلا بأس به يعني أن المبارزين يزدادون نشاطاً برفع الصوت وربما يكون فيه إرهاب للعدو على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: صوت أبي دجانة في الحرب فئة فأما إذا لم يكن فيه منفعة فهو فشل وربما يدل على الجيش فلهذا لا يستحب. وذكر عن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره رفع الصوت عند ثلاثة: عند قراءة القرآن وعند الجنائز وعند الزحف أي القتال. وعن قيس بن عباد قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند الثلاثة: الجنائز والقتال والذكر والمراد بالذكر الوعظ ففي الحديثين كراهة رفع الصوت عند سماع القرآن والوعظ فتبين به أن ما يفعله الذين يدعون الوجد والمحبة مكروه ولا أصل له في الدين ويستبين به أنه تمنع الصوفية مما يعتادونه من رفع الصوت وتخريق الثياب عند السماع فإن ذلك مكروه في الدين عند سماع القرآن والوعظ فما ظنك عند سماع الغناء! فأما رفع الصوت عند الجنائز فالمراد به النوح وتمزيق الثياب وخمش الوجه فذلك حرام والمراد ما كان عليه أهل الجاهلية من الإفراط في مدح الميت عند جنازته حتى كانوا يذكرون في ذلك ما هو شبه المحال وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا " أراد به والله أعلم أن امنعوه عن ذلك ولا تذكروه بسوء.
قال: ولبس العمائم في الحرب وغيرها حسن من أمر المسلمين فإن العمائم تيجان العرب وقال صلى الله عليه وسلم: " تعمموا تزدادوا حلماً ". ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء فعرفنا أن ذلك حسن. وذكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال: تجهز فإني باعثك في السرية الحديث إلى أن قال: وعلى عبد الرحمن عمامة قد لفها على رأسه فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فأقعده بين يديه ونقض عمامته بيديه ثم عممه بعمامة سوداء وأرخى بين كتفيه شيئاً منها ثم قال: هكذا فاعتم يا ابن عوف وإنما فعل ذلك إكراماً له خصه بهذه الكرامة من بين الصحابة رضي الله عنهم وفيه دليل على أن المستحب إرخاء ذنب العمامة بين الكتفين كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من قدر ذلك بشبر ومنهم من قال: إلى وسط الظهر ومنهم من قال: إلى موضع الجلوس وفي هذا دليل على أن يجدد اللف لعمامته لا ينبغي أن يرفعها من رأسه دفعة واحدة لكن ينقضها كما لفها فقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا بعمامة ابن عوف وذلك بمنزلة النشر غب الطي فيكون أولى من النشر والإلقاء على الأرض دفعة واحدة.
|